فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد صرَّح بذلك الشاعر حيث قال: [الوافر]
أرُونِي خُطَّةً لا عَيبَ فيهَا ** يُسَوِّي بَيْنَنَا فِيهَا السَّوَاءُ

والوقف التام- حينئذ- عند قوله: {مِّن دُونِ الله}؛ لارتباط الكلام معنًى وإعرابًا.
الرابع: أن يكون أنْ وما في حَيِّزها في محل رفع بالابتداء، والخبرُ: الظرفُ قبله.
الخامس: جوَّز ابو البقاء أن يكون فاعلًا بالظرف قبله، وهذا إنما يتأتَّى على رأي الأخفش؛ إذا لم يعتمد الظرفُ.
وحينئذ يكون الوقف على {سَوَاءٍ} ثم يبتدأ بقوله: {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله} وهذا فيه بُعْدٌ من حيثُ المعنى، ثم إنهم جعلوا هذه الجملة صفة لـ {كَلِمةٍ}، وهذا غلط؛ لعدم رابطة بين الصفة والموصوف، وتقدير العائد ليس بالسهل.
وعلى هذا فَقوْل أبي البقاء: وقيل: تم الكلامُ على {سَوَاءٍ}، ثم استأنف، فقال: {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ}، أي: بيننا وبينكم التوحيد، فعلى هذا يكون {أَلاَّ نَعْبُدَ} مبتدأ، والظرف خبره، والجملة صفة للكلمة، غير واضح؛ لأنه- من حيث جعلها صفة- كيف يحسن أن يقول: تم الكلام على {سَوَاءٍ} ثم استأنف؟ بل كان الصواب- على هذا الإعراب- أن تكون الجملة استئنافية- كما تقدم.
السادس: أن يكون: {أَلاَّ نَعْبُدَ} مرفوعًا بالفاعلية بـ {سَوَاءٍ}، وإلى هذا ذَهَب الرُّمَّانِيُّ؛ فإن التقدير- عنده- إلى كلمة مستوٍ فيها بيننا وبينكم عدم عبادةُ غيرِ الله تعالى.
قال أبو حيّان: إلا أن فيه إضمارَ الرابطِ- وهو فيها- وهو ضعيف. اهـ.

.قال القرطبي:

وفيه ردّ على الروافض الذين يقولون: يجب قبول (قول) الإمام دون إبانة مستند شرعيّ، وأنه يحل ما حرّمه الله من غير أن يبين مستندًا من الشريعة. اهـ.

.قال أبو حيان:

قال الطبرى: في قوله: {أربابًا من دون الله} أنزلوهم منزلة ربهم في قبول التحريم والتحليل لما لم يحرمه الله، ولم يحله.
وهذا يدل على بطلان القول بالاستحسان المجرد الذي لا يستند إلى دليل شرعي، كتقديرات دون مستند، والقول بوجوب قبول قول الإمام دون إبانة مستند شرعي، كما ذهب إليه الرّوافض. انتهى. وفيه بعض اختصار. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ الله} أي لا يطيع بعضنا بعضًا في معصية الله تعالى قاله ابن جريج ويؤيده ما أخرجه الترمذي وحسنه من حديث عدي بن حاتم أنه لما نزلت هذه الآية قال: ما كنا نعبدهم يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم: «أما كانوا يحللون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم؟» قال: نعم فقال عليه الصلاة والسلام: «هو ذاك» قيل: وإلى هذا أشار سبحانه بقوله عز من قائل: {اتخذوا أحبارهم ورهبأنهم أَرْبَابًا مّن دُونِ الله} [التوبة: 31] وعن عكرمة أن هذا الاتخاذ هو سجود بعضهم لبعض، وقيل: هو مثل اعتقاد اليهود في عزير أنه ابن الله، واعتقاد النصارى في المسيح نحو ذلك، وضمير بيننا على كل تقدير للناس لا للممكن وإن أمكن حتى يشمل الأصنام لأن أهل الكتاب لم يعبدوها.
وفي التعبير بالبعض نكتة وهي الإشارة إلى أنهم بعض من جنسنا فكيف يكونون أربابا؟
فإن قلت: إن المخاطبين لم يتخذوا البعض أربابًا من دون الله بل اتخذوهم آلهة معه سبحانه.
أجيب: بأنه أريد من دون الله وحده، أو يقال: بأنه أتى بذلك للتنبيه على أن الشرك لا يجامع الاعتراف بربوبيته تعالى عقلًا قاله بعضهم وللنصارى سود الله تعالى حظهم الحظ الأوفر من هذه المنهيات، وسيأني إن شاء الله تعالى بيان فرقهم وتفصيل كفرهم على أتم وجه. اهـ.

.قال أبو حيان:

وفي قوله: {بعضنا بعضًا}، إشارة لطيفة، وهي أن البعضية تنافي الإلهية إذ هي تماثل في البشرية، وما كان مثلك استحال أن يكون إلهًا، وإذا كانوا قد استبعدوا اتباع من شاركهم في البشرية للاختصاص بالنبوّة في قولهم: {إن أنتم إلا بشر مثلنا} {إن نحن إلا بشر مثلكم} {أنؤمن لبشرين مثلنا} فادعاء الإلهية فيهم ينبغي أن يكونوا فيه أشد استبعادًا: وهذه الأفعال الداخل عليها أداة النفي متقاربة في المعنى، يؤكد بعضها بعضًا، إذ اختصاص الله بالعبادة يتضمن نفي الاشتراك ونفي اتخاذ الأرباب من دون الله، ولكن الموضع موضع تأكيد وإسهاب ونشر كلام، لأنهم كانوا مبالغين في التمسك بعبادة غير الله، فناسب ذلك التوكيد في انتفاء ذلك. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشهدوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}:

.قال الفخر:

المعنى إن أبوا إلا الإصرار، فقولوا إنا مسلمون، يعني أظهروا أنكم على هذا الدين، لا تكونوا في قيد أن تحملوا غيركم عليه. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشهدوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} المراد فإن تولوا عن موافقتكم فيما ذكر مما اتفق عليه الكتب والرسل بعد عرضه عليهم فاعلموا أنهم لزمتهم الحجة وإنما أبوا عنادًا فقولوا لهم: أنصفوا واعترفوا بأنا على الدين الحق وهو تعجيز لهم أو هو تعريض بهم لأنهم إذا شهدوا بالإسلام لهم فكأنهم قالوا: إنا لسنا كذلك، وإلى هذا ذهب بعض المحققين، وقيل: المراد فإن تولوا فقولوا: إنا لا نتحاشى عن الإسلام ولا نبالي بأحد في هذا الأمر فاشهدوا بأنا مسلمون فإنا لا نخفي إسلامنا كما أنكم تخافون وتخفون كفركم ولا تعترفون به لعدم وثوقكم بصر الله تعالى، ولا يخفى أن هذا على ما فيه إنما يحسن لو كان الكلام في منافقي أهل الكتاب لأن المنافقين هم الذين يخافون فيخفون، وأما هؤلاء فهم معترفون بما هم عليه كيف كان فلا يحسن هذا الكلام فيهم، و{تَوَلَّوْاْ} هنا ماض ولا يجوز أن يكون التقدير تتولوا لفساد المعنى لأن {فَقُولُواْ} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، (وتتولوا) خطاب للمشركين، وعند ذلك لا يبقى في الكلام جواب. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون} أمر بتصريح مخالفتهم بمخاطبتهم ومواجهتهم بذلك، وإشهادهم على معنى التوبيخ والتهديد، أي سترون أنتم أيها المتولون عاقبة توليكم كيف تكون. اهـ.

.قال الزمخشري:

{فَإِن تَوَلَّوْاْ} عن التوحيد {فَقُولُواْ اشهدوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} أي لزمتكم الحجة فوجب عليكم أن تعترفوا وتسلموا بأنا مسلمون دونكم، كما يقول الغالب للمغلوب في جدال أو صراع أو غيرهما: اعترف بأني أنا الغالب وسلم لي الغلبة.
ويجوز أن يكون من باب التعريض، ومعناه: اشهدوا واعترفوا بأنكم كافرون حيث توليتم عن الحق بعد ظهوره. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {فَإِنْ تَوَلَّوْا} جيء في هذا الشرط بحرف أن لان التولي بعد نهوض هذه الحجة وما قبلها من الأدلة غريب الوقوع، فالمقام مشتمل على ما هو صالح لاقتلاع حصول هذا الشرط، فصار فعل الشرط من شأنه أن يكون نادر الوقوع مفروضا، وذلك من مواقع إن الشرطية فإن كان ذلك منهم فقد صاروا بحيث يؤيس من إسلامهم فأعرضوا عنهم، وأمسكوا أنتم بإسلامكم، وأشهدوهم أنكم على إسلامكم.
ومعنى هذا الإشهاد التسجيل عليهم لئلا يظهروا إعراض المسلمين عن الاسترسال في محاجتهم في صورة العجز والتسليم بأحقية ما عليه أهل الكتاب فهذا معنى الإشهاد عليهم بأنا مسلمون. اهـ.

.قال أبو حيان:

وعبر عن العلم بالشهادة على سبيل المبالغة، إذ خرج ذلك من حيز المعقول إلى حيز المشهود، وهو المحضر في الحسّ. اهـ.

.قال ابن عادل:

قوله: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ}.
قال أبو البقاء: هو ماضٍ، ولا يجوز أن يكون التقدير: فإن تتولوا لفساد المعنى؛ لأن قوله: {فَقُولُواْ اشهدوا} خطاب للمؤمنين، ويَتولّوا للمشركين وعند ذلك لا يبقى في الكلام جوابُ الشرط، والتقدير: فقولوا لهم وهذا ظاهر.
والمعنى: إن أبَوْا إلا الإصرارَ فقولوا لهم: اشْهَدُوا بأنا مسلمون مخلصون بالتوحيد. اهـ.

.قال الخازن:

عن ابن عباس أن أبا سفيان أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجارًا بالشام في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش فأتوه وهو بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به مع دحية الكلبي إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإنما عليك إثم اليرسيين، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون». لفظ الحديث أحد روايات البخاري.
وقد أخرجه بأطول من هذا وفيه زيادة قوله: «الأريسيين» وفي رواية: «الأريسيين» والأريس الأكار وهو الزراع والفلاح وقيل: هم أتباع عبدالله بن أريس رجل كان في الزمن الأول بعثه الله فخالفه قومه وقيل هم الأروسيون وهم نصارى أتباع عبدالله بن أروس وهم الأروسة.
وقيل: هم الأريسون بضم الهمزة وهم الملوك الذين يخالفون أنبياءهم وقيل: هم المتبخترون وقيل: هم اليهود والنصارى الذين صددتهم عن الإسلام واتبعوك على كفرك. اهـ.

.قال البيضاوي:

(تنبيه) انظر إلى ما راعى في هذه القصة من المبالغة في الإِرشاد وحسن التدرج في الحجاج بين: أولًا، أحوال عيسى عليه الصلاة والسلام وما تعاور عليه من الأطوار المنافية للألوهية، ثم ذكر ما يحل عقدتهم ويزيح شبهتهم، فلما رأى عنادهم ولجاجهم دعاهم إلى المباهلة بنوع من الإِعجاز، ثم لما أعرضوا عنها وانقادوا بعض الانقياد عاد عليهم بالإِرشاد وسلك طريقًا أسهل، وألزم بأن دعاهم إلى ما وافق عليه عيسى والإِنجيل وسائر الأنبياء والكتب، ثم لما لم يجد ذلك أيضا عليهم وعلم أن الآيات والنذر لا تغني عنهم أعرض عن ذلك وقال: {فَقُولُواْ اشهدوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}. اهـ.

.قال التستري:

قوله: {قُلْ يا أهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله} [64] يعني إلى طمع عدل بيننا وبينكم، لأنهم كانوا مقرين بأن خالقهم وخالق السماوات والأرض هو الله تعالى، فنوحده ولا نعبد إلاَّ إياه. وأصل العبادة: التوحيد مع أكل الحلال وكف الأذى، ولا يحصل الأكل الحلال إلاَّ بكف الأذى، ولا كف الأذى إلاَّ بأكل الحلال، وأن تعلموا أكل الحلال وترك أذى الخلق والنية في الأعمال كما تعلموا فاتحة الكتاب، ليصفوا إيمانكم وقلوبكم وجوارحكم، فإنما هي الأصول. قال: حكى محمد بن سوار عن الثوري أنه قال: منزلة لا إله إلاَّ الله في العبد بمنزلة الماء في الدنيا، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30] فمن لم ينفعه اعتقاد لا إله إلاَّ الله والاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ميت. قال سهل: وإني لأعرف رجلًا من أولياء الله تعالى اجتاز برجل مصلوب وجهه إلى غير القبلة، فقال: أين ذلك اللسان الذي كنت تقول به صادقًا: لا إله إلاَّ الله، ثم قال: اللهم هب لي ذنبه. قال سهل: فاستدار نحو القبلة بقدرة الله.
وهو قوله تعالى: {تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [64] الآية. والثالث إطاعة بالجوارح خالصًا لله، من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والقنوع والرضا، فدعاهم بذلك إلى أطيب القول وأحسن الفعال، ولو لم يكن الإيمان بالله والقرآن الذي هو علم الله فيه الدعوة إلى الإقرار بالربوبية والتبعد إياه في الفزع، لم تعرف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أجابهم من الخلق. اهـ.

.قال سيد قطب في الآيات السابقة:

{إِنَّ الله اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)} إلى قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا الله وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ الله فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)}.
تقول الروايات التي تصف المناظرة بين النبي صلى الله عليه وسلم ووفد نجران اليمن: إن هذا القصص الذي ورد في هذه السورة عن مولد عيسى عليه السلام، ومولد أمه مريم، ومولد يحيى، وبقية القصص جاء ردًا على ما أراد الوفد إطلاقه من الشبهات؛ وهو يستند إلى ما جاء في القرآن عن عيسى عليه السلام بأنه كلمة الله إلى مريم وروح منه، وأنهم كذلك سألوا عن أمور لم ترد في سورة مريم وطلبوا الجواب عنها..
وقد يكون هذا صحيحًا.. ولكن ورود هذا القصص في هذه السورة على هذا النحو يمضي مع طريقة القرآن العامة في إيراد القصص لتقرير حقائق معينة يريد أيضاحها. وغالبًا ما تكون هذه الحقائق هي موضوع السورة التي يرد فيها القصص؛ فيساق القصص بالقدر وبالأسلوب الذي يركز هذه الحقائق ويبرزها ويحييها.. فما من شك أن للقصص طريقته الخاصة في عرض الحقائق، وإدخالها إلى القلوب، في صورة حية، عميقة الإيقاع، بتمثيل هذه الحقائق في صورتها الواقعية وهي تجري في الحياة البشرية. وهذا أوقع في النفس من مجرد عرض الحقائق عرضًا تجريديًا.
وهنا نجد هذا القصص يتناول ذات الحقائق التي يركز عليها سياق السورة، وتظهر فيها ذات الخطوط العريضة فيها. ومن ثم يتجرد هذا القصص من الملابسة الواقعة المحدودة التي ورد فيها؛ ويبقى عنصرًا أصيلًا مستقلًا؛ يتضمن الحقائق الأصيلة الباقية في التصور الاعتقادي الإسلامي.
إن القضية الأصيلة التي يركز عليها سياق السورة كما قدمنا هي: قضية التوحيد. توحيد الألوهية وتوحيد القوامة.. وقصة عيسى- وما جاء من القصص مكملًا لها في هذا الدرس- تؤكد هذه الحقيقة، وتنفي فكرة الولد والشريك، وتستبعدهما استبعادًا كاملًا؛ وتظهر زيف هذه الشبهة وسخف تصورها؛ وتبسط مولد مريم وتاريخها، ومولد عيسى وتاريخ بعثته وأحداثها، بطريقة لا تدع مجالًا لإثارة أية شبهة في بشريته الكاملة، وأنه واحد من سلالة الرسل، شأنه شأنهم، وطبيعته طبيعتهم، وتفسر الخوارق التي صاحبت مولده وسيرته تفسيرًا لا تعقيد فيه ولا غموض، من شأنه أن يريح القلب والعقل، ويدع الأمر فيهما طبيعيًا عاديًا لا غرابة فيه.. حتى إذا عقب على القصة بقوله: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون}.. وجد القلب برد اليقين والراحة؛ وعجب كيف ثارت تلك الشبهات حول هذه الحقيقة البسيطة؟